حريات الجسد

الجسد، مصدر السعادة، مصدر الألم موضوع للتسلط وموضوع للبحث .. يمثل الجسد دائما موضوعا للرغبة، للعنف و للصراع .. و يكون الاهتمام به في جميع أبعاده و غاياته و يكون البعد الأكثر إثارة للجدل هو الجانب الجنسي اللصيق بالجسد، حيث تكون المسألة الجنسية أكثر المسائل إثارة للجدل فيما يتعلق بالجسد .. الجنس غاية، الجنس و سيلة، الجنس « بضاعة » .. و يوضع الجسد دائما في موضع المتهم ..

و تطرح في نفس الوقت مسائل متعلقة بمدى حرية هذا الجسد، أو بمدى حرياتنا على أجسادنا، أو بمدى وجود « الحريات الجسدية » ؟ ماهي طبيعة هذه الحريات ؟ ماهي الضوابط المفروضة عليها ؟ و كيف نوازن بين استعمال الجسد و حمايته ؟ و هل للشخص واسع الحرية على جسده ؟ هل يحق أن تفرض القيود عليه ؟ كل هذه الأسئلة تزداد حدتها عند التطرق إلى الحريات الجنسية و مدى ولاية الشخص على جسده.

فمع التوجهات الحديثة التي تبلورت انطلاقا من تسعينات القرن العشرين و التي تقر الحقوق الجنسية كحقوق إنسانية كاملة و مع تأصل المقاربات الحمائية للجسد و التي تدعمت أيضا بموجب تطور القانون الدولي و أدبيات المنظمات الدولية و لجان حقوق الإنسان الشاملة و المختصة، يعود الجسد من جديد ليطرح الأسئلة الأبدية حول علاقتنا به و حول الإطار الذي نريد أن نضعه بداخله .. فاليوم لا يمكن التعاطي مع مسألة الجسد بدون أن نستحضر كل النضالات النسوية التي عملت و لازالت على تحرير أجساد النساء من الهيمنة و السيطرة و العنف المسلط عليها، و دون أن نستحضر أيضا ما يعرف « بالثورة الجنسية » و التي عاشتها المجتمعات الحرة في نهاية الستينيات و بداية السبعينيات و التي غيرت مفهوم العلاقة بالجسد و أدت إلى تطوير التشريعات و المنظومات القانونية

و المساواة في الحقوق بقطع النظر عن الانتماء الجنسي أو الميول الجنسية، لتغير مفهوم الأسرة و لتعيد للفرد مكانته في المجتمع ككائن قائم الذات و تحريره من الضوابط غير المبررة التي تفرضها عليه المنظومة القانونية و السياسية.. هذا التحرر لم يضع حدا لحماية الجسد من كل اعتداء أو كل ممارسة مهينة أو حاطة من كرامته و حرمته. و تطورت بذلك إلى جانب المنظومات القانونية أخلاقيات متعلقة بالجسد، فتحرير الجسد لا يشرع لانتهاكه و الاعتداء عليه. هذه الطروحات التي عاشتها المجتمعات الحرة منذ أكثر من أربعين سنة، نراها تطرح اليوم في تونس. فمنذ 2011 كانت فضاءات النقاش العام و منها المجلس الوطني التأسيسي قد أثارت عديد المسائل الهامة و اللصيقة بالجسد و كان النقاش الحاد الذي يمكن أن نحوصله في توجهين أساسين أحدهما محافظ يغلب المجموعة على الفرد و يفرض القيود على الحريات الجسدية و الجنسية خاصة مستندا دائما على مخاطر هذه الحريات على الأسرة و على المجتمع ككل، و تيار يقر بمحورية الفرد في المجتمع و دوره وحماية جسده من كل اعتداء مقرا مبدأ الاختيار الحر وولاية الفرد على جسده مؤكدا على قيمة هذه المبادئ في الحماية ضد العنف المسلط على أساس النوع الاجتماعي و على أساس الميول الجنسية ..

و كان لصدور الدستور 27 جانفي 2014 أهمية بالغة، حيث أقر الفصل 23 منه « : تحمي الدولة كرامة الذات البشرية و حرمة الجسد .. » و دخل مفهوم الجسد بذلك النص الدستوري. و توجب عندها إعطاء محتوى و معنى إيجابيين لهذا الإقرار. ذلك أن ربط الكرامة بالحرمة الجسدية سيؤثر حتما على منظومة قانونية قائمة قبل 2014 و كرستها قوانين و تشريعات و ممارسات تعود إلى بداية القرن العشرين (المجلة الجزائية التي تعود إلى سنة 1913) أو المجلة المدنية (مجلة الالتزامات و العقود التي صدرت سنة 1907) أو قانون الأحوال الشخصية (لسنة 1956) .. وهي منظومات لم تقم أساسا على مفاهيم الكرامة الإنسانية و الحرمة الجسدية. فكان الجدل حول مدى تلازم هذه المنظومات مع نص و روح دستور 2014 .. و كان للمجتمع المدني )كعادته) الدور الهام في إعادة الجدل حول هذه المسائل و تشكلت ائتلافات مدنية للنضال من أجل حماية الجسد و إقرار الحريات الجسدية. فكان ائتلاف الجمعيات من أجل مناهضة العنف ضد النساء و ائتلاف المجتمع المدني من أجل الحريات الفردية و كونت الجمعيات التي تناصر قضايا المثليين و المثليات و المزدوجين و المتحولين .. ائتلافا للعمل عل إلغاء القوانين و الممارسات التمييزية ضد هذه الفئة الاجتماعية و حمايتها من الاعتداءات و الإيقافات غير المبررة. هذا الحراك الاجتماعي و الذي يميز المرحلة الراهنة دفع بالجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية أن تنشر مؤلفها الثالث للبحث في الحريات الجسدية. فبعد مؤلفها الأول و الصادر في « 2014 الحريات الفردية، تقاطع المقاربات » و كتابها الثاني حول « الحريات الدينية في تونس » 2015 ، تنشر اليوم مؤلفها الثالث حول « الحريات الجسدية » وهو مؤلف جماعي كان نتيجة لقاء فكري نظمته الجمعية في إطار معرض تونس الدولي للكتاب في شهر مارس 2016.

نشرت الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية مؤلفها الثالث للبحث في الحريات الجسدية. فبعد مؤلفها الأول و الصادر في « 2014 الحريات الفردية، تقاطع المقاربات » و كتابها الثاني حول « الحريات الدينية في تونس » 2015 ، تنشر اليوم مؤلفها الثالث حول « الحريات الجسدية » وهو مؤلف جماعي كان نتيجة لقاء فكري نظمته الجمعية في إطار معرض تونس الدولي للكتاب في شهر مارس 2016.

Product details
Date of Publication
فيفري 2017
Publisher
الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية
Licence
All rights reserved
Language of publication
العربية
ISBN / DOI
978-9973-9821-0-0