المحقّرون » في القانون التونسي : حين يؤسس القانون للامساواة

عندما يصبح الاختلاف قاتلا...

بقلم وحيد الفرشيشي أستاذ القانون العام

جامعة قرطاج كلية العلوم القانونية بتونس

سنة 2011 ، وفي خضّم السياق الثوري الذي صاحبته آمال تغيير جذري في النموذج الاجتماعي

والسياسي التونسي اتّصل بي محمد أمين الجلاصي للحديث عن إمكانية إشرافي على أطروحة

الدكتوراه التي ينوي إعدادها. فوافقت في الحال وذلك لكون موضوعها يتعلّق بمسألة « الأقليات

في تونس .»

وبمتابعتي لأمين خلال بحثه المشوّق، استطعت التأكّد من بعد مزعج للقاعدة القانونية :

اللامساواة و الظلم من خلال « القانون .»

واكتشفت معه كذلك أنه، وإن كان من المفترض أن يعمل « القانون » من أجل إرساء معاملة

قانونيةتؤسس للمساواة بين الجميع وذلك من دون أي تمييز مبنيّ على أساس الجنس أو اللغة

أو المعتقد أو الأصل العرقي أو الاجتماعي أو اللون أو الحالة الصحية ...، فقد شاركت القاعدة

القانونية في تعميق التمييز والوصم، وشرّعت لانتهاكات وتجاوزات من جميع الأشكال...

ويرجع هذا،في الواقع، لكون « القانون »، عندما يترجم الإرادة السياسية لإيديولوجيا مهيمنة

فإنه يعكس في الوقت نفسه القيم السائدة ويحمي مصالح من هم في السلطة، كما اتّضح

ذلك بشكل مأساوي مع الدولة النازية و مؤخرا مع « الدولة الإسلامية في العراق و الشام ...»

لذلك شهدنا، طوال تاريخ « القانون »، ظهور واختفاء أشكال التمييز المكرّسة والمؤسّسة من

خلاله...

ف « القانون » الذي يسعى إلى تنظيم العلاقات والظواهر الاجتماعيةيمكن، وذلك وفقا لإرادة

الحكّام أن يدعم جماعة ويجعل أخرى ضحيةللتمييز...

فقد تمكّنت الإنسانية، من خلال « القانون »، تلك الأداة الخطرة، أن تميز أو تدين أو حتى تزهق

حقوق أشخاص وجماعات وحتى مجموعات سكانيّة بأكملها، لأنها كانت مختلفة...

إلاّ أن تطوّر « القانون » وتنمية مقاربة كونية لحقوق الأشخاص، في البداية من خلال مفهوم

« حقوق الإنسان » والتي أصبحت مؤخرا تسمّى ب « الحقوق الإنسانية »، قد أدّى تدريجيا

إلى تحوّل فيه وذلك من قانون حام للمجموعات إلى قانون يهدف إلى حماية الأفراد...

ولذلك، فإن الانتقال من « حق المجموعات المهيمنة » إلى « قانون الأشخاص »، يسمح بالاعتراف

وتكريس مجال واسع من الاختلافات واحترام الإنسان في فرديّته.

هذه المقاربة، التي يبدو أنها قد تجاوزت المفهوم التقليدي لحقوق الأقليات كما تم تصوّرها

والاعتراف بها في القانون الدولي، تسعى لمحاربة القواعد القانونية التي تشرّع لجميع أشكال

التمييز المسلّط على المجموعات والأشخاص وذلك من خلال فرض وضعيّة دونيّة عليهم مبنيّة

على اختلاف الآراء والقناعات والمعتقداتوالمظهر والأصل العرقي أو الاجتماعي والحالة الصحية

والتوجّه الجنسي أو الخيارات الشخصية، « قانون » مصدر لشرعيّة التمييز، « قانون » يعاقب

الاختلاف ويرفض التعدّد، فهو « قانون » قاتل...

وبالتالي، فإن معالجة قضية الأشخاص المحقّرين وضحايا التمييز تشدّد على حدود « القانون »

وتشجع على التفكير في التساؤل الذي يراد من خلاله معرفة كيف سيكون من الممكن ملاءمة

قانون مبني على أسس تمييزيّة مع المبادئ الكونية التي تجعل من الفرد هدف الحماية

والدعم ؟ هذا من بين أهداف الدستور التونسي لسنة 2014 الذي يضعه في صميم مقتضياته،

وذلك من خلال مركزية مرجعية كرامة الإنسان فيها ... ولكننا نلاحظ تباطؤا في انفاذ الدستور

فيما يتعلق باحترام الحياة الخاصة والخيارات الفردية...

ولذلك، لازلنا نتساءل بخصوص مستقبل الأشخاص المحقّرين وضحايا التمييز وبخصوص الإطار

القانوني الأنسب من أجل تحقيق احترام الأفراد ككيانات مستقلة وزجرالأفعال التي تمسّ الحرمة

الجسدية وكرامة الأشخاص...

هل نحن جاهزون اليوم لملاءمة التشريع الوطني مع مقتضيات الدستور ومع الالتزامات

الدولية للدولة، وذلك استئناسا بالتشريعات المقارنة التي أقرّت تدريجيا المساواة بين المواطنات

والمواطنين أمام قانون عادل. تشريعات مرّت من التجريم إلى التسامح والمساواة والتي تمنع اليوم

أي تمييز أو وصم...

أخيرا ومن أجل تعميم وبثّ بعض نتائج أطروحة محمد أمين الجلاصي1، شجّعت الجمعية

التونسية للدفاع عن الحريات الفردية صاحب هذا البحث على نشره تحت عنوان « المحقّرون

في القانون التونسي : حين يؤسس القانون للامساواة ...__

Product details
Publisher
الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية
Licence
All rights reserved
Language of publication
عربي فرنسي انجليزي
ISBN / DOI
987-9973-9821-6-2
Table of contents

الفهرس /

سياق الدراسة

الإشكالية والتساؤلات والمقاربة

إستعمال العبارات

المبادئ التي سيقع التطرق إليها من خلال هذه الدراسة

/ الباب الأول /

حالة الفراغ القانوني : القاعدة القانونية لا تضمن المساواة

المبحث الأول : القاعدة القانونية تساهم في غموض «الوضعية القانونية » لبعض الأفراد

الفقرة الأولى : تحديد « المركز القانوني » لمغايري الهوية الجنسانية طبقا لمرجعية محافظة

الفقرة الثانية : خطورة الإفصاح عن الهوية الجنسية في الفضاء العام

المبحث الثاني : القاعدة القانونية تميز ضد بعض الأفراد

الفقرة الأولى : الأشخاص المهددون على أساس معتقداتهم

- التهديد على أساس نصوص صريحة

- التهديد على أساس نصوص ضمنية

الفقرة الثانية : ضمانات حماية الأشخاص المهددين على أساس معتقداتهم

/ الباب الثاني /

القانون يجرم أفعال الأشخاص « المثليين »

المبحث الأول : أسباب تجريم المثلية الجنسية

المبحث الثاني : آثار تجريم « العلاقات المثلية »

الفقرة الأولى : التستر الإختياري للأشخاص المثليين

الفقرة الثانية : عدم التمتع بمحاكمة عادلة

- تكييف الأشخاص « المثليين » مبني على قوالب نمطية

- التكييف المرتبط بالظروف

الفقرة الثالثة : الإعتداء على الحرمة الجسدية

/ الباب الثالث /

القاعدة القانونية « تضعها الأغلبية للأغلبية »

المبحث الأول : القانون يصنف الإسلام كدين مهيمن

الفقرة الأولى : الدولة تهتم أساسا بالدين المهيمن

الفقرة الثانية : الدولة تتدخل في الحياة الخاصة للأفراد

المبحث الثاني : القانون يجعل من اللغة العربية اللغة المهيمنة

الفقرة الأولى : هيمنة اللغة العربية في جميع الميادين

الفقرة الثانية : طمس التنوع الثقافي

/ الخاتمة /