دليل للحوكمة البيئية المحلية في تونس
منذ تغير النّظام سنة 2011 ، انطلقت تونس في مسار بطيء و لكن مهمّ نحو إرساء الديمقراطية و الحوكمة الرشيدة. أفضت هذه التغيرات إلى نقاش على الصعيد المجتمّعي حول دور الهياكل المحليّة وعلى وجه الأخصّ دور البلديات. وقد عكس اعتمّاد الدستور الجديد سنة 2014 هذه الاتجاهات، إذ أصبحت اللامركزيّة تشكّل موضوعا أساسيّا في المسار الذي حدّده النّظام الجديد لمستقبل البلاد. غير أنّ التقدّم الذي تمّ تحقيقه حينها يعتبر محدّودا. وقد تمّ سنة 2014 صياغة مشروع قانون جديد بشأن السّلطة المحليّة يُعرف ب »مجلة الجماعات المحليّة « لم تتمّ بعد المصادقة عليه من قبل مجلس نوّاب الشعب. وقد أدى هذا التعطيل التشريعي إلى عودة موجات الاستياء السيّاسي لدى المجتمّع المدني تسبّب فيه أيضا تأجيل الانتخابات المحليّة التي كان من المفروض إجرائها في أواخر أكتوبر 2016 ، والتي إلى حين تحرير هذا التقرير تمّ إعادة جدولتها إلى ماي 2018 . ومع ذلك فمن المتوقّع أن يحقق قانون السّلطة المحليّة استقلالية هامّة للبلديات على الصعيد المالي والإداري على حدّ سواء و بذلك يمكّنها من تعزيز دورها في توفير الخدمات العامة الرئيسية.
يتمّثّل جانب بارز من عملية تطبيق اللامركزيّة في التحقيق الناجع للتنمية المستدامة. ذلك أنّ الخدمات العامة في ظلّ النظام الدكتاتوري كانت تخضع إلى رقابة صارمة من
السلطات المركزيّة و التداخلات المتعددة و انتشار الفساد مما حدّ من إمكانيات العمل البيئي المحلي. وتبيّن خلالّ السنوات التي عقبت ثورة 2011 أنّ انعدام الكفاءة يُثقل كاهل البلديات وقد تكون الوضعيّة أسوأ في بعض الحالات . ولذلك فإن إعادة ضبط الصلاحيّات بين السلطات المركزية والمحليّة وإعادة تقييم النظام الحالي لتقاسم الأدوار، في إطار تطبيق اللامركزيّة في تونس، تشكّل أمرا أساسيّا لضمان تحدّيث واستدامة القرارات المحليّة التي تستجيب للاحتياجات العامة الأساسية .وأخيرا، فإن تعزيز القدرات المحليّة لدعم التنمية المستدامة سيكمّل أيضا الجهود التي تبذلها السّلطة المركزيّة حاليا للتصدي للتهديدات البيئيّة التي تسجّل ارتفاعا مثل التصحر وتدهور السواحل وتلوث الهواء وخسارة التنو البيولوجي.
وبالتّالي يهدف هذا الدّليل إلى دعم العمل البيئي المحلّي من خلال تسليط الضوء على التحدّيات و الفرص التي تنتظر السّلطات المحليّة ، ذلك أنّ المسؤوليات المخصّصة لها حدّيثا حسب قانون الجماعات المحليّة سوف تمّكّنها من دفع مسار الحماية البيئيّة و الحدّ من التغيّر المناخي. ويرتكز هذا الدليل على الوضع الاقتصادي و البيئي والمؤسساتي الحالي في تونس لتقييم عمليّة تطبيق اللامركزيّة الجارية و الفوائد التي من المتوقع أن تضيفها للحوكمة البيئيّة المحليّة. علاوة على ذلك، يستند هذا الدليل على أفضل الممارسات الدوليّة في ثلاث دول ناشئة )الشيلي وجنوب إفريقيا والأردن( حيث عزّزت اللامركزيّة من مساهمات السّلطة المحليّة نحو التنمية المستدامة في القطاعات الرئيسية. وأخيرا، فإن التوصيّات العمليّة لاعتمّاد سياسات وإجراءات بيئيّة ومستدامة في ستّة مجالات مختلفة )الطاقة والمياه والنفايات والتخطيط العمراني والبنية التحتية والنقل والزراعة الأراضي( تهدف إلى دعم الهياكل المحليّة خلال الأشهر والأعوام المقبلة لاتخاذ الإجراءات.