- المقدمة
تفاقمت ازمة الطاقة فى السنوات الاخيرة وبدأ المصريون يلتفتون الى اهمية الطاقة فى حياتهم ويعانون كثيرا من انقطاع التيار الكهربائى او صعوبة توفير وقود السيارات او العجز فى توفير انابيب البوتاجاز. ولقد ظهر جليا ان استمرار سياسة الدعم المفرط للطاقة على مدى عقود طويلة ادي الى عدم احساس المواطنيين بأهمية الطاقة لأنها كانت تعتبرحقا مكتسبا توفره الدولة غير عابئين بما يمثله هذا الدعم من خلل للمنظومة الاقتصادية المصرية.
ولقد غابت ايضا الطاقة الشمسية بصورة خاصة عن منظومة الطاقة فى مصر خلال العقود الماضية، فعلى الرغم من الامكانيات الطبيعية والبشرية الهائلة إلا ان الطاقة الشمسية كانت تتجاهل عن عمد للاعتماد عليها كأحد مصادر توفيرالطاقة المستهلكة (مثل السخانات الشمسية ) او انتاج الطاقة الكهربائية (محطات الطاقة الشمسية).
وبدأت الحكومة فى خطة الاصلاح مؤخرا. فاصدرت مؤخرا واحد من اهم واجرأ القرارت برفع الدعم التدريجى والجزئى للطاقة. وبدأت فعلا فى تنفيذه من خلال خطة تمتد لخمس سنوات بدأت بالفعل برفع الاسعار فى يوليو 2014 ومن المتوقع زيادة اخرى فى يوليو 2015.
واهتمت ايضا بالطاقة المتجددة بصورة عامة والطاقة الشمسية بصورة خاصة فأصدرت قانون الربط على الشبكة للطاقات المتجددة وفتحت مجال الانتاج لقدرات اجمالية 2300 ميجا من الطاقة الشمسية بواقع 2000 ميجا للمشاريع الكبرى الاكبر من 500 كيلو وات و300 ميجا للمشاريع السكنية والتجارية وما يطلق علية مشاريع اسطح المبانى.
وصدرت تعريفة شراء الطاقة الشمسية من الشبكة القومية (FIT). وتم تقسيم التعريفة الى خمس شرائح تبدأ بسعر84 قرشا لمشاريع الاسكان ثم 90 قرشا للمشاريع اقل من 200 كيلو ثم 97 قرشا للمشاريع اقل من 500 كيلو وهى شرائح خاصة بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة التى يتم ربطها على شبكة الجهد المنخفض.
وصدرت شرائح المشاريع الكبرى حتى 20 ميجا بسعر 97 قرش ثم 104 قرش لمشاريع حتى 50 ميجا. وهى المشاريع التى يتم ربطها على شبكة الجهد العالى وتحتاج عادة الى استثمارات ضخمة وشركات متعددة الجنسيات لتمويلها وادارتها.
وتم تثبيت هذة التعريفة لمدة 25 سنة مما يعد عامل جذب قوى للمستثمريين.
الوضع الراهن لمشاريع الطاقة المتجددة
تقدمت اكثر من 170 شركة بطلبات تأهيل للحصول على رخص بناء محطات طاقة شمسية وتخصيص اراضى لهم وتم قبول حوالى 140 شركة حتى الان ويعد هذا بلا شك مؤشر جيد على إقبال المستثمريين على المشروع . وجارى الان مرحلة اعداد العقود وتخصيص الاراضى.
ولكن مازال الغموض يحيط بالشرائح الثلاثة الاولى من التعريفة ومازال الاقبال عليهم يكاد يكون ضعيف جدا للأسباب الآتية:
1- التعريفة متدنية وغير جاذبة بغض النظرعن تكلفة تركيب المحطات او طريقة تمويلها سنجد ان سعر الكهرباء بعد الزيادة الجديدة سيتجاوز رقم 84 قرشا قريبا (وهى التعريفة المحددة للشرائح السكنية). وتحديدا فى عام 2018 سيصل سعر الكهرباء للشرائح العالية 86 قرشا اى اكثر من سعر تعريفة الطاقة الشمسية فمن البديهى الا يلجأ المواطن الى بيع الكهرباء وسيكون من المفيد ان يستهلكها بنفسه
2- بدراسة التعريفة المصدرة مع مثيلتها بالدول النامية سنجد ان كل النظم العالمية تعطى تعريفة اعلى للشرائح السكانية عن المشاريع الكبرى لانها تمس القطاع العريض من المواطنين
3- القرار الحكومى ينص على ايجاد آلية تمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة بفائدة ميسرة 4% ولكن الى الآن لم يتم اصدار اى لوائح تنفيذية او قرارات واضحة مفعلة لآلية التمويل
4- غياب الوعى لدى المواطنين وعدم وجود حوار مجتمعى قبل او بعد اصدارالقانون وعدم صدور اى تشريعات او قرارات محفزة او ملزمة للتوجة الى الطاقة الشمسية
وبالتالى فلقد صدر القانون وتقدمت شركات للطرح ولكن الى الآن لم يتم ضخ شيئ يذكر على الشبكة القومية من مشاريع الطاقة الشمسية ومازال اغلب المواطنيين فى حالة غياب او عدم تفاعل مع تلك التغييرات.
البعد الاقتصادى لتعديل شرائح اسطح المبانى
لعل الحكومة تعلم انها تسابق الزمن من اجل توفير الكهرباء قبل الصيف القادم لخفض فترات انقطاع التيار الكهربائى ولتشعر المواطنين بتحسن فى مستوى الخدمات العامة. لعلها تعلم ان الحل الاقتصادى السريع الذى لن يحمل الدولة اعباء هائلة هو تشجيع مشاريع الطاقة الشمسية على اسطح المبانى وربطهاعلى الشبكة. فمن المعروف ان المشاريع الكبرى تحتاج الى سلسة طويلة من الاجراءات حتى يتم بناء المحطة وتشغيلها. فعملية التأهيل والتعاقدات وحدها دخلت فى شهرها الرابع ثم تأتى عملية استلام الاراضى وتمهيدها ومراجعة المرافق العامة من طرق وشوارع للوصول للموقع ونقاط الربط على الشبكة ثم تأتى مرحلة التوريدات والتركيب وبناء المحولات الكهربائية المطلوبة ثم تنتهى بمرحلة التشغيل والتجريب. وكل تلك الخطوات تحتاج الى شهور من العمل الدؤب.
ولكن مشاريع اسطح المبانى لا تحتاج سوى ايام قليلة ليتم ربطها على الشبكة. فلا توجد اراضى يتم تخصيصها ولا يوجد محولات ولا جهد عالى ولا توجد مشاكل بيروقراطية معقدة.
وبالتالى فبالنظر الى العامل الزمنى وهو ما نحتاجة بشدة فاننا ندرك ان مشاريع اسطح المبانى هى الاسرع بكل المقاييس. ثم نأتى الى دراسة حجم السوق المتاح. تقرير الشركة القابضة لكهرباء مصر ينص على ان عدد المشتركين من القطاع المنزلى فقط فى مصر حوالى 21 مليون مشترك، فاذا تم استهداف 1% فقط سيساوى حوالى 210 الف مشترك . علما بأن تقارير مرفق الكهرباء تنص على وجود 180 الف مشترك سكنى لا يقل استهلاكه الشهرى عن 1000 كيلوات، اى ان استهداف 200 الف مشترك هو رقم واقعى وسهل التحقيق.
فاذا قام كل السكان من هؤلاء الشريحة ( 200 الف ) بتركيب محطة 5 كيلووات فقط على اسطح المنزل وربطها بالشبكة فذلك يعنى اننا يمكننا ربط 1 جيجا على الشبكة بدون تحمل الدولة اى اعباء اضافية. فبالنظر الى هذا السوق الواعد نجد اننا فى احتياج الى خلق المئات من شركات التوريد والتركيب الصغيرة والمتوسطة وما يتبعه من فرص بناء صناعة وطنية ولو للصناعات المغذية مثل الكابلات والهياكل المعدنية ودوائرالتحكم. ناهيك عن الحاجة الماسة الى توافر الكهرباء لبناء مصانع جديدة وايضا الحاجة لتشغيل المصانع المتوقفة حاليا عن الانتاج لعدم وجود مصادر طاقة.
كما ان مشاريع اسطح المبانى تحول آلاف المواطنين ليصبحوا منتجين للطاقة وبالتالى سيتم اضافة دخل اضافى لهم يحسن من قدراتهم المعيشية ويقضرون على سداد ضرائب اضافية للدولة. بمعنى ان هذا القطاع يصب بصورة مباشرة من اجل خدمة الطبقات الصغيرة والمتوسطة وهم عماد الاقتصاد الوطنى وتوفير آليات النمو له. وبالتالى فمن الواضح ان مشاريع اسطح المبانى هى الأكثر قدرة على حل مشكلة العجز فى الطاقة بآليات اسرع من المحطات الكبرى وهى القادرة على إحداث تغيير منهجى فى التركيبة الاقتصادية للشرائح المتوسطة.
البعد الاجتماعى لتعديل شرائح اسطح المبانى
ثم نأتى الى الأثر الاجتماعى والذى يعد الأكثر تأثيرا فى الوقت الحالى. فمما لاشك فيه ان تمويل مشاريع الطاقة المتجددة ياتى اصلا من اضافة تعريفة إلزامية على الشرائح العليا والمتوسطة من المجتمع. اى ان تكاليف المشاريع يدفعها المواطن اصلا. بناءا على ذلك فإنه من الافضل ان يكون له الحق المشاركة فى ارباح المشروع.
بمعنى اخر فإن المواطن سيتحمل تكلفة المشروع فى كل الاحوال. ولكن حين يتم تمويل وتشغيل المشروع بالكامل للشركات الكبرى فهو لن يشارك فى منظومة الربح ( مع تحمل للنفقات) وهو بالتأكيد سيشعر المواطنن بعدم العدل. فى حين ان مشاركة المواطن فى مشاريع الطاقة الشمسية ستجعله اكثر تقبلا لتحمل تكاليف المشروع لانه مساهم فى جزء من الربح و الذى يزيد من احساسه بالعدالة..وهو ما نحتاج اليه بشدة الآن. كما ان مشاريع اسطح المبانى توفر آلاف من فرص العمل المباشر والغير المباشر وتشجع مئات من شباب رجال الاعمال على إنشاء شركات للتركيب والتوريد والصيانة وخلافه مما يعود بالنفع العام على معدلات خفض البطالة. هذا بخلاف الإحساس العام بالرضى من المشاركة فى انتاج الكهرباء وعدم التزمر من زيادة تكاليف الكهرباء او رفع اسعارها.
الخاتمة
مصر بلد غنية بمصادر الطاقة المتجددة. والطاقة الشمسية من اهم تلك المصادر التى قد تساعد على خروج مصر من كثير من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. وتعد مشاريع تركيب محطات الكهرباء وربطها على اسطح المبانى من اكثر المشاريع تأثيرا على البعد الاقتصادى والاجتماعى. وهناك سوق ضخم بكرلمشاريع الطاقة الشمسية فى مصر قابل للنمو لسنوات قادمة. ولكن المهم هو توافر التشريعات والقوانين المحفزة لذلك. والمطلوب من التعريفة الحالية زيادة سعر الطاقة المنتجة من مشاريع اسطح العمارات لتصل الى 110 قرشا بشرط وجود نفس آليات التمويل الميسرة المعلنة من الحكومة. عندئذ فقط سيصبح لدينا فرصة جيدة جدا لاستخدام الطاقة الشمسية لتغييرحياة المواطنين..الى الافضل.
الكاتب : المهندس خالد جاسر رئيس مجلس ادارة جمعية تنمية الطاقة سيدا، وهو حاصل على ماجستير علوم المواد الهندسية بالكلية الملكية جامعة لندن بعد تخرجة من كلية الهندسة جامعة الاسكندرية قسم هندسة الانتاج ،عضو منتدب للشركة المصرية للطاقة المتجددة – ايجرين وهو أيضا شريك ومدير شركة المسلة للتجارة الدولية كما أنّه ناشط فى العديد من جمعيات رجال الاعمال المصرية ومنظمات العمل المدني.